الأمراض النفسية

الأمراض النفسية: تعريفها ومراحلها 


للأمراض النفسية تأثير كبير على ذات الإنسان وروحه، كما أنها تكون سببا في الكثير من الأمراض العضوية، وأسباب هذه الأمراض في الغالب يكون راجع إلى المحيط الخارجي للإنسان وإلى طريقة نظره إليه، وقد تحصل هذه الأمراض بسبب صدمات نفسية يتعرض لها الإنسان في مسيرته الحياتية. لذلك فإن علاجها ليس موجودا في الطب الظاهري حتى الآن لأنها أمور باطنية لا تكشفها المعدات الطبية ولا تكشفها الافتراضات والظنون العقلية، وسنتحدث في هذا الجزء عن هذه الأمراض.

المرض الأول: انفصام الشخصية

هذا المرض ناتج عن واقع مظلم يراه الشخص بذاته، وقد لا يكون هذا الواقع حقيقيا فتتأثر نفسه بهذا ، ويُخْلَق فيها ظلام خارجي يفقدها التوازن، ويفقدها الفطرة الصحيحة التي فطرها عليها الله عز وجل. وهي فطرة الفجور والتقوى، والنور والظلام، لكن إذا خطر عليها خاطر ظلماني يغلب كفة الظلام على كفة النور، فتهتز شخصية الإنسان وتهتز معها طريقة نظره إلى الوجود، وطريقة تعامله معه، لتتأثر شخصيته بهذا، ويحدث في داخلها كسر يقسمها إلى قسمين:

وغالبا ما تتأثر الشخصية والتي هي جزء من الوعي الداخلي للإنسان عن طريق النفس أو العقل، ويؤدي هذا الكسر الحاصل فيها إلى فقدان الإنسان طبيعتها في التعامل مع نفسه، ومع المحيط الخارجي، وتسمى هذه الحالة التي يخرج فيها الإنسان عن شخصيته الطبيعية ب”حالة وهم الشخصية” لأن وهم الشخصية متولد من التأثير الظلماني الذي تعرض له الإنسان في مسيرة حياته.

مراحل هذا المرض:

  1. يحصل كسر في شخصية الإنسان ناتج عن تأثير خارجي ظلماني، فتتولد عنده شخصية ثانية أو ما يسمى بوهم الشخصية التي تتصرف وفق التأثيرات الخارجية، وليس وفق إرادة الإنسان ورغبته.
  2. يحدث انفصام في تعامل الإنسان، حيث تجده مرة بشخصيته الحقيقية، ومرة تجده يتصرف بوهم الشخصية، وكل هذا دون أن يغيب عن ذاته، أو يحدث له سلب منها، بل تجده مستشعرا لكل ما يدور حوله إلا أنه فقد سيطرته على وهم الشخصية.
  3. 3)    فيرى “وهم شخصيته” تتصرف دون أن يجد طريقا إلى كبح جماحها. لأن وهم الشخصية مسيرة من تأثيرات الصدمة التي تعرض لها الإنسان في حياته، أو من تأثيرات خارجية شيطانية، أو ربما من مرض نفسي في حد ذاته. وغالبا ما تجد تصرف وهم الشخصية تصرفا طفوليا حيث ترى المصاب بهذا المرض في حالته الوهمية يتصرف تصرفات طفولية، وصبيانية، وأحيانا تصرفات دون هدف واضح.

المرض الثاني: مرض السلبية والانطواء

حيث تجد الشخص منطوي على نفسه سلبي في طموحاته وقراراته وتصرفاته، لا يرى لنفسه مكانا في هذا الوجود، ويرى أنه عالة على كل من حوله، وبالطبع هذا المرض ناتج عن اليأس الذي يكسر صفة الطموح والإيجابية في نفسية الإنسان، وهذا المرض قد يكون حالة مؤقته، ولكن لا يلبث حتى يصير مرضا نفسيا مزمنا، يمنع الشخص من إكمال مساره في الحياة، ويجعله سلبيا في وجوده وغير قادر على اتخاذ أي قرار، وغالبا ما تجده يحب العزلة، ويكره أي عمل جماعي، أو طموحات يقصد الإنسان تحقيقها في وجوده، وغالبا ما يصيب هذا المرض فئة الشباب ليدمرهم نفسيا، ويجعلهم يتركون دراستهم، ويتركون عملهم، وينفردون بأنفسهم لا يريدون شيئا من الوجود، وهذا قد يأخذهم في طريق الانحراف، ويدفعهم إلى تعاطي الكحول والمخدرات وعدم الرغبة نهائيا في الإنتاج وإفادة النفس والغير، وهذا المرض النفسي يتولد كذلك عن طريق التأثير الخارجي كالسحر والشعوذة الذي يجعل الإنسان يوقف مسيرة حياته، أو عن طريق صدمة نفسية كبيرة كفشل كبير أو موت أحد الأقارب الذي يخلف أثرا كبيرا في النفس.                       

  ومن خطورة هذا المرض أن أصحابه لا يعيشون طويلا، وغالبا ما يوافيهم القدر فيلقون الله وهم في سن صغير جدا، وذلك بسبب فشل نفسيتهم، وعدم رغبتهم في إكمال الحياة نهائيا

مراحل هذا المرض:

  1. يتعرض فيها الإنسان لصدمة قوية أو لتأثير خارجي شيطاني يجعل ظلام اليأس والسلبية يتسرب إليه فيغلف نفسه بداية، ثم يغلف وعيه الداخلي، ليجعل الإنسان غير قادر على رؤية النور في هذا العالم.
  2. عندما يصل التأثير النفسي لعقل الإنسان ويقبله كمبدأ هناك يستسلم استسلاما كليا لهذا المرض ويفوضه زمام أمره، فيقتنع بهذه السلبية واليأس لتصير بعد ذلك مرضا داخليا لا يقدر الإنسان أن يتجاوزه بنفسه حتى لو أراد ذلك وعزم عليه.
  3. عندما يصل هذا اليأس إلى الوعي الداخلي للإنسان، فيصير بعد ذلك قائدا له ويفقد المريض أمله في المستقبل، بل ويفقد الرغبة في وجوده أصلا.

ومن أعراض هذا المرض:

  • كثرة البكاء والندب.
  • الانعزال عن الخلق.
  • طرح أسئلة مريبة مثلا: لماذا أنا موجود؟ وما كان يجب أن أعيش؟ الموت أصلح لي؟
  • عدم الكلام مع الخلق، وهذا ما يجعل الإنسان يرى نفسه وحيدا في هذا الكون الشاسع.
  • عدم الطموح لأي شيء.
  • تمني الموت.
  • انعزال الإنسان عن أي عمل أو شغل أو طلب علم، أو رغبة في استقرار مادي أو عاطفي. والإنسان خلق اجتماعيا بطبعه يحتاج إلى كل هذا من طموح وسعي لتحقيق النجاح، ورغبة في بناء عز ومجد، وتكوين أسرة، والتنعم بحياة رغيدة، ومن افتقد هذه الأشياء لا يلبث قليلا حتى يهدم كليا ولا يجد أي سبب لوجوده فيوافيه الأجل ويلقى الله عز وجل مقتولا بهذا المرض.

المرض الثالث: مرض الاكتئاب

وهذا مرض مستعصي جدا، ويصعب التعامل مع مرضى الاكتئاب، وخصوصا في بعض الحالات الحادة.

     أصل الاكتئاب هو عاطفة الحزن وتتحول إلى مرض إذا التقت بتأثيرات خارجية، فبالتعاون مع عاطفة الحزن، ومع التأثيرات الخارجية من صدمات وسحر وشياطين، وفقدان للممتلكات والأحبة، يتولد مرض الاكتئاب الذي يجعل الإنسان يرى الوجود بنظرة ظلمانية ويحكم عليه انطلاقا من ذاته، ومن تصوراته الوهمية والخاطئة، وهذا يجعل حدة الاكتئاب تزيد حتى تصل درجته إلى انعزال الإنسان عن العالم الخارجي، وقتل كل مشاعر النور والسعادة داخله، ونظره إلى الوجود بنظرة ظلمانية سلبية تجعله لا يرى خيرا في الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل، ونقول: إن المصاب بهذا المرض لا علاج له إلا عن طريق الباطن، أو عن طريق إحياء مشاعر الحب داخله.            

وحالة الاكتئاب هته هي سيطرة عاطفة الحزن على جميع العواطف الأخرى، فيصبح تعامل الإنسان مع نفسه وواقعه الخارجي تعاملا بعاطفة واحدة وهذا ما لا يطيقه الإنسان لأنه خلق متعودا على التقلبات النفسية والعاطفية، وإذا طال هذا المرض فإنه يؤدي إلى الانتحار أو محاولة إنهاء الحياة،

تأثيرات هذا المرض:

  • المستوى العاطفي: يقتل الاكتئاب كل المشاعر الإيجابية داخل الإنسان ويجعله خاضعا للحزن والآلام في كل أحواله.
  • على المستوى الاجتماعي: تتكسر العلاقات، فتتكسر علاقة المريض مع بقية الخلق، فيصبح مائلا نحو العزلة لا يثق في أحد، ولا يريد أحدا، وهذا يولد حزنا أكبر بفقدان السند، فالإنسان يحتاج دوما إلى سند، وشخص يقف إلى جانبه في حالة الحزن والألم.
  • على المستوى الذاتي: يهمل الإنسان نفسه، وينعزل عن التفكير في مخططاته المستقبلية التي سيطور بها ذاته، ويجعل منها كائنا منتجا وفعالا لنفسه وللمجتمع.
  • على المستوى الديني: تنقطع علاقة الإنسان مع ربه، ويفقد أي شعور وحميمية في الاتصال بالله عز وجل، ويفقد كذلك الرغبة والطلب في الوصول إليه.

      وبالتالي فإن الإنسان يتهدم كليا ومن جميع الجوانب، وأكثر من هذا يعيش  ألما داخليا لا يكاد يفارقه، فتجده لا ينام الليل، ولا يستيقظ النهار، وتجده منفلت الأعصاب يغضب بسرعة، ولا يرغب في التكلم مع أحد، ولا في رؤية أحد لأنه فقد كل مشاعره، وأحاسيسه الأخرى، وهذا يجعل تصرفاته غير محمودة، فقد يرتكب جريمة أو ما شابهها دون أن يشعر باي تأنيب ضمير.

المرض الرابع: مــــرض التوحـــــــد

وهو مرض التوحد هذا المرض الذي انتشر كثيرا في الآونة الأخيرة، وأصل انتشاره يبدأ من النفس، حيث يشعر المصاب به أنه غير محتاج لبقية الخلق، وهذه العاطفة النفسية تترجم على شكل مبدأ يقيني في الوعي الداخلي للإنسان فيصبح تصرفه وتأقلمه مع المحيط الخارجي عن طريق مبدأ الاستغناء عن الخلق.

وبعض أطباء النفس يحاولون علاج هذا المرض بالحوار فتجدهم يسألون المريض عن سبب ابتعاده عن الخلق ويشرحون له أهمية التعايش مع الخلق، ولكن هذا علاج غير نافع لأن مكونات الإنسان مملوكة ومؤمنة بمبدأ الاستغناء عن الخلق، وتغيير هذا المبدأ يجب أن ينطلق من الداخل أي عن طريق الوعي الداخلي للإنسان.

مراحل هذا المرض:

يمر تطور هذا المرض بثلاث مراحل:

  • المرحلة الأولى: مرحلة التأثير الدافع للإنسان إلى هذا الانعزال، إما يكون مرضا خلقيا، أو يكون صدمة نفسية فتجد الإنسان في هذه المرحلة فقد السيطرة على نفسه، وفقد ثقته بالخلق، وهذا ما يهز مبادئه الأولية من تعايش وتعاون وتناغم.
  • المرحلة الثانية: مرحلة العودة إلى الهدوء، لكن المريض يجد أن مبادئه وقناعاته الداخلية قد تغيرت وأنه قد فقد الرغبة في التعامل مع الخلق، أو مع المحيط الخارجي بشكل عام، فيشعر بالارتياح إذا جلس منفردا، ويشعر بالضغط والتوتر إذا اختلط مع الخلق.
  • المرحلة الثالثة: تصير هذه الحالة ملازمة للمريض وتستحكم فيه حتى يصير بعد ذلك، لا يطيق التعامل مع الخلق نهائيا حتى وإن حاول لا يستطيع، وهنا يدخل المريض في عزلته، ومع هذه العزلة يتشرب عقله أفكارا ظلمانية، وقلبه عواطف ظلمانية، فكلما زادت مدة عزلته زاد المرض تحكما فيه، حتى يجد نفسه بعد مدة قد صار مخربا نفسيا لا يملك زمام نفسه، ولا يستطيع أن يعود إلى حالته الطبيعية. هنا يبدأ كذلك شعوره بالنقص، وشعوره بأن عاملا أساسيا قد اختل في صلته بالموجودات، فتتبعثر مشاعره، ومبادئه، ليتيه بعد ذلك في عالم الوحدة، حتى يتطور الأمر إلى مرض أخطر، وهو السلب. و فقدان الملكات العقلية، والعواطف النفسية تجاه العالم الخارجي، وغالبا ما يكون المريض بالتوحد الحاد عالة على نفسه وأسرته، والمجتمع كله.

المرض الخامس: مرض الوهم/ الهوس

غالبا ما يصيب هذا المرض فئة الأطفال والشباب والكبار في السن أيضا، حيث يخيل للإنسان أمورا وتحركات وهمية تحدث أمامه فيظنها المريض حقيقة ولكنها فقط بضع أوهام، يبدأ هذا المرض من النفس، حيث يحصل خلل في تعامل النفس مع المحيط الخارجي، وغالبا ما يكون عن طريق صفة الخوف، فتجد المريض يخاف حتى من الذبابة إذا حطت عليه، ويتخيل لديه أنها ضارة وقاتلة وهكذا تضخم النفس الأوهام لتجعل منها مرضا نفسيا يصعب علاجه أو التحكم فيه، وهو ما يسمى حاليا في علم النفس بمرض: الهوس، ولكن تسميته الحقيقية هي الوهم الذي يضع غطاء على الحقيقة ويصورها للمريض بتصورات مضخمة، وخاطئة تؤثر بداية ، وبعد نفسه، على الوعي الداخلي الذي يصدق هذا الظلام الذي يلج غليه عن طريق النفس، ثم يؤثر بعد ذلك في صراع العواطف القلبية، وخصوصا في عاطفة الخوف والأمن، ليجعل هذا المرض تعامل المريض مع العالم الخارجي تعاملا وهميا ومغايرا لما عليه صورة الإنسان في حد ذاته، وصورة العالم الخارجي، ويتحكم هذا المرض في الإنسان عن طريق ثلاثة مراحل

مراحل هذا المرض:

  • المرحلة الأولى: التأثيرات الخارجية التي ترد بصورة مزدوجة على العقل والنفس في آن واحد، فتجعل بينهما ترابطا ظلمانيا، يفسر الأشياء ويدرسها، وينظر إليها نظرة مخالفة لما عليه واقع الحال.
  • المرحلة الثانية: يدخل وعي المريض بين هذا الترابط الظلماني الذي يجمع بين العقل عن طريق الوساوس، والنفس عن طريق التوهم، وسوء الحكم، وهنا تبدأ خطورة المرض حيث يصبح الوعي الداخلي للإنسان خاضعا لأمر النفس والعقل، ومصدقا بهذه المبادئ التي تخوف الإنسان من هيئات وصور العالم الخارجي.
  • المرحلة الثالثة: بعدما يصدق ويؤمن الوعي الداخلي للمريض بهذا الهوس النفسي، يصير الإنسان مملوكا تماما من طرف هذا المرض، ومحاصرا من جميع جوانبه حيث يدخل إلى عالم وهمي من فهم وإدراك العالم الخارجي من حوله، ثم يصبح المريض بعد ذلك يعيش في عالم آخر، ذلك ما يراه هو مع نفسه، ولكن ما يراه غيره، أن تصوره للعالم الخارجي صار مختلفا عن تصور غيره.
  • المرحلة الرابعة: وفي هذه المرحلة كذلك قد يؤثر هذا الهوس النفسي على الأشياء من حول المريض فتجده يرى ما يعتقده في هوسه، فإذا آمن بأن هناك مخلوقا يسكن في بيت مظلم فإنه يراه، وإذا آمن مثلا أنه إذا نظر في المرآة يرى وجها غير وجهه فإنه يرى ذلك، وهنا تكمن خطورة هذا المرض، فقد يسلب المريض من عالم الحس والمادة، ويدخل إلى عوالم روحية، ومنها عالم الجن والشياطين والمخلوقات الأخرى،

وهذه حالات نفسية يصعب إلى الآن تفسيرها في علم النفس، ويصعب علاجها كذلك، والسبب الرئيسي في هذا، هو أن علماء النفس أنفسهم لا يعرفون أن ما كان يعتقده المريض صار يراه عين اليقين، فهم يظنون فقط أنه يتخيل، ويتصور، وأنه يقول كلاما مناقضا للواقع، وهنا يكمن الإشكال، لهذا فإن علاج هذا المرض يكون بداية بدراسة حالة المريض، وفي أي مرحلة من المراحل هو، وهل تحول ما يعتقده إلى عين اليقين؟ أم ليس بعد؟

 والحمد لله رب العالمين


الشيخ الدكتور عزيز الكبيطي إدريسي الحسني

 (حقوق النشر محفوظة)