الرقية الشرعية

الرقية الشرعية 


لقد انتشرت الرقية “الشرعية” كثيرا في أيامنا الأخيرة بسبب انتشار أمراض الجن والسحر، ولكن أغلبها ليست على الميزان الشرعي الصحيح، فالرقية الشرعية الحقيقية لها مقاييس محددة توزن عليها:

1- مقياس الإذن 

وهذا الإذن يكون بمثابة الإجازة الخطية لدى الطبيب المعالج للأمراض الظاهرة، فإذا كان الطبيب الذي يعالج أمراضاً معروفة يراها الناس ويشهدون عليها يحتاج إلى دراسات معمقة ينتج عليها بعد ذلك إذن في التخريج على شكل إجازة خطية، فكيف لمن يعالج أمراضاً باطنية روحية لا تظهر بالعين المجردة وحقيقتها غائبة عن العيان، فكان الأولى لمن يعالج هذه الأمراض أن يكون اذنه واضح له بداية، ولمن يحضر عنده ثانياً، والإذن قد يكون بأشكال ثلاث:

أ- إجازة خطية وهو الإذن الظاهر 

ب- إجازة معنوية وهي التي يتلقاها إذناً في باطنه ليعالج به (ومن باب صدق هذه الإجازة الباطنية هو أن تجد له معرفة شاملة بمجال اشتغاله لأن المعرفة هي دليل واضح على الإجازة المعنوية، والجهل دليل على عدم وجودها)

جإذن من أستاذه أو شيخه، وهذه إجازة صحيحة، ولكن بداية يجب التأكد من صحة إجازة شيخه وصدقها، والبحث عن توفر تواتر الإذن منه عن أستاذه عن أستاذه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ودليل كذب هذه الإجازة هو أن يدعي أن له أستاذاً باطنياً فهذا مرفوض في العلاج الروحي ومرفوض كإذن صحيح يسلم صاحبه من مخاطر العوالم الشيطانية، إذ أن الأستاذ أو الشيخ يجب أن يكون حياً أخذ عنه في زمانه، وتتلمذ على يديه ليستطيع أن يعد هذه إذناً من شيخه، فبهذا نحدد مقياس صدق المعالِج وبالتالي مقياس صدق علاجه.

ومن ليس له إذن بشكل من هذه الأشكال فلا علاج له أصلاً.

2- مقياس المعرفة

وهذا في الحقيقة مقياس يكون قبل الإذن، لأن من تعلم يأخذ الإجازة على علمه، ولكن إذا ما أصبح طبيباً فهنالك نفحص الإذن أولاً، وبعد ذلك نفحص علم الراقي ومعرفته، وهذا ما يحصل تلقائياً لأي مريض زار أي طبيب من الأطباء، فإذا وجد فيه جهلا وقلة علم، ولم يعطه ما يكفيه ويطمئن حالته من العلم بها فإنه يتركه ويذهب لغيره، فهذه طبيعة فطرية جبل عليها الإنسان.

وأول دليل على علم هذا الراقي وصحة رقيته هو أن يعطيك تجسيداً كاملاً لحالتك يطابق ما أنت عليه، ويعطيك أسبابها وعواقبها المستقبلية، وإذا سألته يجيبك جوباً واضحاً يطمئن بالك ويشفي غليل الجهل في داخلك.

أما إن كان الراقي على غير هذا الحال فإن رقيته بالتأكيد غير صحيحة، وغير ناجحة، إذ كيف يعلم طريقة العلاج قبل أن يعلم المرض الذي أنت عليه، فهذا النوع اتركه من البداية لأن جهله دليل واضح على عدم صحة إذنه، وعدم صحة رقيته، وبالتالي فإنك لن تستفيد منه تلك الإستفادة المرجوة.

3- مقياس الشريعة 

على الراقي الداخل في هذا المجال أن يكون ملتزماً بشريعة الله عز وجل لأن الدواء لداء شيطاني يدعو إلى الغواية يكون بالشريعة، وبطريق الحق التي شرعها الله عز وجل، وليس بغير ذلك من الشبهات، كالبخور والذبائح والأوراق المكتوبة، وإنما يكون ذلك عن طريق برهان في القلب، وإذن متصل برسول الله ﷺ، وغير ذلك فلا تأصيل له في الدين.

وقبل أن يلتزم بالشريعة في العلاج عليه ان يكون ملتزماً بالشريعة في سائر أموره، وأن يكون محافظاً على دينه لأن أغلب الرقاة الذين يعالجون بغير إذن محمدي، وإذا كان بغير إذنه فإنه لا شك يكون بإذن آخر وهو إذن شيطاني لأن هذا الأمر لابد له من إذن محصل، إذ أنهم لا يحافظون على الشريعة ولا على الصلاة وذلك تحفظاً على الإذن الشيطاني من أن يضيع منهم.

ومن الشريعة كذلك أن يكون الراقي على بعد مسافة كافية بينه وبين من يعالجه من باب الشريعة، ومن باب الأدب.

وأن تكون أدوات العلاج أدوات شرعية مأذونة كذلك، فلا يكون العلاج بأمور خارجة على نطاق الشرع، ولا يكون كذلك إلا بالإذن القلبي، وانفتاح البصيرة، واتصال بالله عز وجل.

4- مقياس النور

العلاج المأذون يكون مؤيدا بنور من الله عز وجل، يكشف مرض المريض ويطهر باطنه، ويفك الأضرار عن جسده، ويغسل ذاته وقلبه، فإذا شعر من عولِج بسكون وارتياح في قلبه واطمئنان إلى ذلك الصنف من الرقية، فذلك دليل وعلامة على وجود النور، لأن العلاج الحقيقي مؤيد بنور يكون هو الأداة الأولى في شفاء المريض، وفي الحقيقة النور هو الوسيلة الوحيدة لعلاج الأمراض الروحية الشيطانية، وكل الأدوات الأخرى هي من أجل استعمال هذا النور، فالقرآن هو نور كذلك والذكر هو نور .. ولكن من يملك هذا النور وله الإذن في التصرف فيه أثناء العلاج أعلى درجة من الذي لا يملك سلطة على النور بل يحاول استخراجه من الأذكار والتلاوات فقط، فالمتحكم بالنور يستطيع علاج المريض في أسرع وقت ويرقي حالته في كل يوم، وفي كل حصة درجات.

أما من لا يملك هذا النور فإن علاجه لا يكون كاملا، بل إن عدم وجود النور هو عدم بداية العلاج أصلا لأن الظلام إذا اختلط بالطين وهما من جنس واحد نحتاج إجباريا إلى العنصر الثالث الذي يفككهما ويخرج الواحد من الآخر، وهذا العنصر هو النور المؤيد بالإذن.

فالنور هو عكس الظلام، وبالنور يغسل الظلام، وبالنور يتطهر الطين وتنتعش الروح، فقد يحدث لطينية الإنسان إن لم تسق بالنور أن تجف وتسكنها أفاعي الشيطان وظلام الجن وناريتهم وغير ذلك من أمراض جسدية أو روحية.

وخلاصة القول فإن الراقي إذا لم يملك نورا مأذونا يعالج به، فإنه لاشك يملك عوضه الظلام.

وعلامات هذا النور عند أصحابه عديدة:

  • أولها: التزام الشريعة.
  • ثانيها: النية الصحيحة والصادقة لهذا الراقي، فلو كانت نيته جمع الأموال، وحب الظهور والسمعة فإنه لا يؤيد بهذا النور الإلهي، وإذا كانت نيته إسعاد الخلق والتخفيف من آلامهم، فإن ذلك يملك النور.
  • ثالثها: طيبة القلب، والرغبة في المساعدة والإصلاح والتخفيف من آلام الناس.
  • رابعها: عدم ممارسة أي طقوس غامضة، فالنور يجلب بالنور، ولا يجلب بالظلام، وكذلك الأمر بالنسبة للإذن.
  • خامسها: خلو النفس من الصفات الظلمانية الخبيثة، كحب الظهور، أوحب الشهرة، أو الكِبْـــر، أو الادعاء، أو غيرها…

 والحمد لله رب العالمين


الشيخ الدكتور عزيز الكبيطي إدريسي الحسني

 (حقوق النشر محفوظة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *