مقاييس الرقاة وأصنافهم
الرقاة هم حاملوا رقية تحققت فيها كل هذه المقاييس التي ذكرناها، وهناك رقاة لا تتحقق في رقيتهم كل هذه المقاييس بل بعضها، وهناك من لا تتحقق في رقيتهم أي مقياس لهذا فقد جاءت أصناف الرقاة على التتابع وأشكال العلاج لديهم، وهم ثلاثة أصناف:
1- الراقي المكشوف على عالم الجن والشياطين فقط
وهو راقي يكون متصلا بعالم الجن، وينقسم إلى حالتين:
- الحالة الأولى: أن يكون اتصالا حقيقيا إذا كان مؤيدا بالإذن:
فذلك تجده يعالج علاجا صحيحا، وهذا الصنف كثير جدا ولكن من عيوبه أنه لا يستعمل العلاج بالنور، وإنما يستعمل أشكال النور، كالذكر أو تلاوة القرآن، ومن عيوبه كذلك أنه غير محيط بالمعالَج كلية بل تخفى عليه بعض الأشياء، وأنه لا يكون مضمونا مئة بالمئة، بل يكون مُعَرَّضا لمكائد الجن والشياطين.
- الحالة الثانية: أن يكون اتصالا وهميا عن طريق عهود ظلمانية
قطعها مع الجن والشياطين، فهذا تجده يعالج بإذن ظلماني ويعالج الظلام بالظلام، ويكون متحالفا مع الجن الذين يخولون له إمكانية العلاج ويخول لهم إمكانيات أخرى عن طريق السماح لهم باستعمال روحه.
ومن علامات هذا الصنف من الرقاة الذين يستعملون الإذن الظلماني:
- أنهم لا يعيشون حياة طبيعية كباقي الناس، وتكون لهم طقوس خاصة بهم، يقومون بها وسط الظلام.
- تكون لهم أذكارًا لا يعلمهما غيرهم بلغة غير مفهومة للناس، ولكن في الحقيقة هي لغة الجن.
- تكون لهم كرامات خارقة للعادة ولكن بشكل ظلماني لا تتجاوز عالم الحس، كأن يحضر لك شيئا من بيتك، ويُطْلِعَك على أسرار من قبل كانت بينك وبين نفسك، وكل ذلك من أعمال الشيطان.
- طريقة العلاج التي يستخدمونها تكون شيطانية ظلمانية، كما هو موضح أسفله.
طريقة علاج هذا الصنف من الرقاة:
إذا قدم إليه أحد قصد العلاج فإن أول ما يفعل له هو أن ينظر في عينيه، ثم يسأله عن اسمه وهو يتمتم بأذكار من أسماء الجن والشياطين يتلبسون به ويسلبون عقل المُعالَج، ثم يحيط المكان ببخور خاصة لهذه الأعمال الشيطانية حتى يصبح المعالَج كأنه قد عولج، وذلك يكون فقط من باب لعب الشيطان في عقله، وامتلاكه برمته.
لأن الراقي الذي يكون من هذا الصنف مهمته الأولى والأخيرة هي أن يسلب آخر قطرة من الضمير الإنساني التي بقيت في عقل من يقصده والتي تشكل صراعا داخليا عنده، فإذا أطفأ شعلة نور عقله وضميره فقد تَمَلَّكَه وتَمَكَّنَ منه كلية فيشعر المُعَالَج بارتياح كبير ناتج عن انطفاء نار الصراع التي كانت بين ظلمانية الشياطين ونور عقله وضميره. ثم يحس بعد ذلك باستئناس حاصل في ذاته وتناغم، فقد زالت آخر قطرة من النور التي كانت تؤرق عيشه، وقد صار مملوكا للشيطان كلية، فيحسب أنه قد عولج بل تكون حالته قد عقدت تعقيدا كبيرا جدا لا يحله إلا من كان ذا إذن محمدي ونور مأذون.
2- الراقي المحجوب كليا مع سماعهم خطابات من الجن
هذا الصنف يكون محجوبا كليا، لكنه يتصل بعالم الجن ويدخل في عهود الجن وأحواله عن طريق السماع الباطني فقط، وهذه الحالة خطيرة جدا لأن الراقي يكون في وضع لا يعلم فيه الحق من الباطل، فقد يكون ذلك الخطاب وسوسة من الشيطان، وقد يكون خطابا من الجن.
والجن والشياطين عهدهم الكذب، ولا منخل في يده يتأكد به ويغربل خطاب سمعه، ونسمي هذا الوضع بوضع التسيير، حيث إنه يكون مسيرا من طرف الجن والشياطين دون اختيار منه ولا إرادة، لأنه حينئذ يكون ذلك الخطاب الذي حل به لأسباب:
أولا: بركة متوارثة عن أجداده وصلته عن طريق سلسلة طويلة
فتجده بذلك يسمع أحاديث الجن وخطاباتهم، ويتواصل معهم كذلك، وقد يوظف ذلك في علاج الناس باعتبار أنه يملك بركة من أجداده في علاج الجن، وهذا الصنف من الرقاة أخطر ما يكون على نفسه، وعلى غيره لأنه لا يميز الحق من الباطل. والعلاج الحق لا يكون إلا ببصيرة من الله عز وجل متوهجة بنور الإذن، ولكن هذا الصنف من الرقاة يقنع بما لديه، ويدخل إلى عالم العلاج ليسترزق الله، فتجده إذا حضر إليه أحد يستفسر الجن عن حالته، فيملون عليه حالته فيخبره بها، وهو غير متحقق من ذلك إلا أنه سمعه خطابا. ثم إذا بدأ بالعلاج يتلقى طريقة ذلك من الجن، وهذه الطريقة سواء أكانت صادقة أم كاذبة، فهي لا تغني المريض من حالته شيئا، لأنها إن صدقت فتلك طريقة علاج الجن في أغلب الأحيان لا تكون صالحة للإنس
طرق علاج الجن المتداولة عند هذا الصنف من الرقاة
ومن هذه الطرق التي يصرحون بها لهذا النوع من الرقاة هي:
- كتابة أسماء يملون عليه في ورقة، ثم يتبعون ذلك بأمره في غمسها في الزيت، ثم يضعها في ورقة أخرى ويصنع منها تميمة في المعالَج.
- أو يضع يده على رأس المريض فيقرأ عليه كلمات من لغات الجن يعالجون هم بها أنفسهم.
هذا إن صدقوا في الخطاب، ومع ذلك فإن هذه الطرق تختص بعلاج الجن أنفسهم وليس بعلاج الإنس، والدليل القوي في ذلك أن الكلمات تكون بلغتهم والطرق كذلك هي طرقهم.
أما إن كذبوا فيكون لهم مقصد وراء ذلك الكذب، وأغلب مقاصدهم تكون إما:
- بإغواء الراقي نفسه.
- أو بإغواء من يقصده من المرضى.
- أو باستعمال أرواح الرقاة في أمورهم الخاصة.
- أو باستعمال دمائهم في استخراج بعض الكنوز الثمينة.
فيكون الخطاب كاذبا قصد تحقيق هذه الأغراض، وطرق ذلك كثيرة، قد يأمرونه كذلك بمخالفة الشريعة حتى يَجُرُّونَه تدريجيا إلى طريق الفسق دون أن يعلم بذلك، ودون أن يشعر.
ثانيا: أن يكون ذلك الخطاب الجني بسبب مس شيطاني حصل للراقي في صغره
من عادة الممسوس أن يسمع الجن ويعلم خطاباته، فإذا كان قد مُسَّ في صغره وأراد الجن استعماله لأغراض أخرى، فإنهم يوحون له بأن له إذنا وبركة في العلاج، وبأنه سيقفون معه، ويعالجون معه، ثم يصفون له أشكالهم حتى يطمئن باله، فيقول له زعيمهم: “أنا الحاج الفلاني ألبس العباءة البيضاء، وأتحكم في طاقات السماء والأرض، ولا يوجد من هو أعلى درجة مني لهذا فسأقف معك في مهمتك فأنت مختار لهذه المهمة”، حتى يتسلط عليه الشياطين من كل جهة ويجرونه من قصده إلى طريق الظلام والفسق. وغالبا ما يوحون له أثناء العلاج بقراءة القرآن حتى يطمئن، ثم يوحون له بقراءة القرآن بلغتهم فيخبرونه: “أن العلاج من عندنا لذا عليك بقراءة القرآن بلغتنا، ثم بذكر أسماء الله بلساننا”، وهكذا حتى يتحكمون فيه، ويجرونه إلى الادعاء وإلى الفسق وإلى الهلاك. ففي البداية يوهمه أنه سر في العلاج ثم بعد ذلك ينزاح به إلى عملين دفعة واحدة، وهما: الرقية والسحر حتى يجد نفسه قد أغرق في بحر لا خروج له منه. وأنه قد صار مستعبدا من طرف الشياطين يتحكمون فيه كيف شاءوا.
علامات هذا الصنف من الرقاة
- العلامة الأوضح: أنهم لا ينامون الليل، ويكون مكان علاجهم مظلما مليئا بالأدوات والمياه، والزيت والبخور، وغير ذلك.
- أن هناك علامات تظهر على خِلْقَتِهم كذلك إذا استمروا في غوايتهم فتتبدل ملامح وجوههم لتصير مرعبة في أصلها، إذا نظرت إليهم شعرت برعب شديد، ثم بسكون شديد، وذلك راجع إلى تملك الشياطين لهم.
- يكون خوفه أكبر وجزعه أكثر من غيره من الرقاة الذين يرون عالم الجن، وكل هته الأصناف التي ذكرناها من الرقاة لا تنفع شيئا وأمثالهم كثر.
ولكن الرقية الشرعية الحقيقية هي الصنف الثالث والأخير، فأولئك هم الرقاة الحق.
3- الراقي المكشوفة روحه على عالم الملكوت
الراقي المكشوف على عالم الملكوت والذي ينظر بعين روحه وبصيرته إلى المُعَالَج هو صنف ناذر جدا بل يكاد يكون معدوما، ويكون صاحب إذن متصل بشيخه، قد تحررت روحه من سجن الذات فنظرت بعين البصيرة.
وهذا النوع من الرقاة قليل جدا لأنه من كُمَّل الرقاة حيث إنه يعالج على بصيرة من أمره فيرى ذلك الذي يعالجه ظاهرا وباطنا، ويستطيع بروحه أن يُشخِّص أمراضه سواء كانت ذاتية أو روحية، وتجد تشخيصه دقيق جدا بالمقارنة مع باقي الرقاة، وذلك راجع لاستعماله روحه المأذونة في العلاج، وليس في استعماله طاقة الجن والشياطين، فالروح أقوى بكثير وأقدر على تشخيص الأمراض ومعالجة الأشخاص من الجن والشياطين، فالروح قد خُلِقت مؤهلة لذلك من الله عز وجل، ومن أسرار الروح المسكوت عنها في القرآن الكريم هو هذا السر في العلاج. وإذن العلاج الروحي يكون بشكل واحد؛ وهو نور منبثق من أنوار رسول الله ﷺ، يسري في ذات المعالَج ويُطَهِّره من نارية الجن أو ظلام الشياطين وغير ذلك.. وهذه الطريقة التي تكون متصلة بالروح لها علامات واضحة جدا، وهي:
- ربط المعالَج بالله عز وجل وذلك عن طريق ربطه بأشكال تجلياته عز وجل كاسم الجلالة، والكعبة، والتفكر في القدرة الإلهية التي تستطيع شفاءه، والتفكر في مراقبة الله عز وجل له.
- أنها سالمة من أي تدخل جسدي، لأن العلاج الباطني يكون بالروح وليس بالجسد، فالجسد يعالج الجسد، والروح تعالج الروح والباطن، وهذه هي الطريقة الآمن والأسلم.
- ذكر مأذون يقوم به الراقي أثناء العلاج، وهذا الذكر يكون متصلا إذنا ونورا بصاحب الإذن الأكبر والنور الأكبر ﷺ، وذلك ما يضمن الشفاء التام والكامل السالم من الأخطار للمعالَج.
- عدم مخالفة الشريعة في شيء، واتباعها اتباعا كليا، فلا يستخدم الراقي الذي يعالِج بالروح أدوات مخالفة للشريعة، أو كلمات لم تذكر في القرآن، أو في السنة، إذ أن كلماته واضحة اللفظ والمعنى ليست بأي لغة مشبوهة أو ملغومة ، وذلك راجع لصفاء باطن الراقي مع الله عز وجل.
- أن التحسن في حالة المريض يكون ملموسا وواضحا في الحصص الأولى من العلاج.
كيفية التأكد من صحة طريقة العلاج لدى هذا الراقي
- أولا: كلما زاد المريض في اتباع الشريعة والسنة زادت حالته تحسنا
- ثانيا: تحسن علاقة المعالَج مع الله عز وجل
- ثالثا: حصول الطمأنينة والارتياح في قلب المعالَج
- رابعا: أن يكون الراقي عالما محيطا بتطورات حالة المريض حصة بعد حصة
- خامسا: ازدياد درجة الإيمان عند المعالَج
- سادسا: وتجد الراقي نفسه متصلا بالله عز وجل لايغفل عنه ومتصلا بإذن سيدنا محمد ﷺ في العلاج.
علامته الكبرى: أن الراقي يكون متصلا بالعوالم البرزخية، وليس بعالم الجن والشياطين فقط: وذلك من كمال روحه وصفاء باطنه وسره، وأن نيته صادقة مع الله عز وجل قبل أن تكون صادقة مع غيره، فتجده يحمل صفاء في باطنه، ويريد إسعاف الخلق والتخفيف من معاناتهم.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ الدكتور عزيز الكبيطي إدريسي الحسني
(حقوق النشر محفوظة)