الأمراض العقلية

الأمراض العقلية: تعريفها ومراحلها 


العقل مكون أساسي من مكونات الإنسان، وهو الذي يتكلف بالتسيير المنطقي لسائر أمور الإنسان، ويعمل العقل عن طريق عدة ملكات منها: ملكة الحفظ والتي تساعد على تخزين المعلومات لفترة طويلة، وملكة الفهم تلك التي تسمح للإنسان بمعرفة واكتشاف المحيط الخارجي حوله، وملكة الحكمة وهي ملكة ربانية أودعها الله عز وجل في عقل الإنسان ليسير وفق منهج مستقيم ويصل إلى جوهر الأمور، وليس إلى ظاهرها فقط، ومنها: ملكة التأمل والتخيل، وهي تربط الإنسان بصور مظاهر وجود الله عز وجل، وتقرب الإنسان من ربه، ومنها ملكة التركيز تلك التي تتوجه إلى أمر واحد وتسعى جاهدة إلى فهمه والعمل عليه، ودون تركيز لا يمكن للإنسان تحقيق أي هدف وضعه في حياته، وهناك عدة ملكات أخرى يطول الله عند ذكرها.

     العقل أيضا مهدد بتخريب بعض هذه الملكات، ومهدد بأمراض فكرية أو تصورية أخرى لذا سنحاول بإذن الله دراسة أكبر الأمراض العقلية وتحليل طرق علاجها.

المرض الأول: الوسواس القهري

هذا مرض يعاني منه الكثير من الناس، ومجمله أنه يجعل كل مكونات الإنسان خاضعة لسيطرة العقل المرضي، وبما أن هذا المرض هو ظلام وهمي يحدق بالعقل، فيجعل العقل خاضعا له، ويجعل كل مكونات الإنسان خاضعة للعقل، يتمكن بذلك هذا المرض من السيطرة على المريض كليا، حيث تأتي الأوهام الظلمانية مثلا: بأفكار قد لا تكون صحيحة، ولكن العقل يخضع لها مبدئيا ويؤمن بها في معتقده، فيتسرب ظلام المرض إلى العقل، ولا يقف عند هذا الحد، بل يخضع جميع المكونات الأخرى لهذا المرض الخبيث، فلا يستطيع الإنسان بأي مكون من مكوناته محاربة هذا الوسواس أو الخاطر الظلماني.

مراحل هذا المرض:

  1. المرحلة الأولى: يخطر على العقل خاطر ظلماني ووسواس شيطاني فيصدق العقل بهذه الوساوس ليتسرب الظلام بعد ذلك إلى ملكات العقل، وإلى هنا لازال الأمر لم يتحول إلى مرض بعد، لأن الإنسان بإمكانه طرد هذا الظلام أو الفكرة التي دخلت إلى عقله فقط بتوجه قلبه أو بخواطر نفسه.
  2. المرحلة الثانية: يسري هذا الظلام من العقل إلى سائر مكونات الإنسان فيتشرب القلب والنفس والوعي الداخلي ظلام هذه الوسوسة لتصير بعد ذلك، وسوسة قهرية على مكونات الإنسان، وبالتالي على الإنسان كله، وقد سميت قهرية لأن الإنسان لا يستطيع طردها أو التحكم فيها إذا بلغ ظلامها إلى سائر المكونات، فيبقى خاضعا لهذه الوسوسة.
  3. المرحلة الثالثة: بعد أن تخضع كل مكونات الإنسان إلى تأثير هذه الوسوسة ويصبح المريض مصدقا تصديقا كليا بهذه الوسوسة تستيقظ ملكة من ملكات العقل، وهي التي حصنها الله عز وجل من أي اختراق ظلماني، وهي ضمير الإنسان الذي لا يخضع للظلام أبدا، وإذا سيطر عليه الظلام يطفأ كشمعة داخل كيان الإنسان، فبعد استيقاظ الضمير يحارب انتشار هذه الوسوسة القهرية داخل مكونات الإنسان، ومن هنا يبدأ الصراع الذي يبين خطورة هذا المرض، فلا يستطيع الضمير أبدا استرداد مكونات الإنسان، لكن مع ذلك يظل يحارب ظلام الوسوسة، وكذلك لا ينفك الظلام عن مكونات الإنسان، فيدخل المريض في حالة من الحيرة والتيه، وأحيانا من العذاب والألم، لأن ذلك الضمير النوراني بالإضافة إلى كلام الناس يظل دائما واقفا أمام سيطرة الظلام، والظلام إذا اختلط بالنور يُوَلِّدُ داخل الإنسان اضطرابا وعذابا وغير ذلك

المرض الثاني: شتات التركيز

المرض الثاني من الأمراض العقلية، وهو مرض تشتت التركيز، هذا المرض يعاني منه الكثير من الناس، إذا لم نقل كلهم، ويرجع ذلك لسببين:

  • التأثير الشيطاني: ويكون إما عن طريق سحر أو حسد أو عين أو مس.
  • ضعف ملكة التركيز داخل عقل الإنسان: لأن ملكات العقل لا تكون متكافئة مع جميع الخلق، فكل له قدراته العقلية، ولا يتساوى الخلق كلهم في ذلك.

من أعراض هذا المرض

  • أن تجد المريض شارد التفكير في جميع أحواله.
  • ولا تجد عنده مقصودا أو هدفا معينا يريد الوصول إليه.
  • وكذلك يكون وجوده عبثيا لا يبتغي غير المتعة والراحة.
  • كثرة الانشغالات الهامشية التي تشتت تركيز المريض في البداية ظاهريا، ولكن مع مرور الوقت يتحول تشتت التركيز إلى مرض عويص يصعب علاجه.

مراحل هذا المرض

  • المرحلة الأولى: هيمنة وسوسة التفكير في المعصية على ملكة التركيز في عقل الإنسان فتجعلها متوجهة إلى الظلام، ومع هذا التوجه يسري الظلام تدريجيا فتتعطل هذه الملكة.
  • المرحلة الثانية: انتشار الظلام من ملكة التركيز إلى سائر ملكات العقل وذلك بفعل عبثية الإنسان في وجوده.
  • المرحلة الثالثة: عدم قدرة الإنسان نهائيا على استعمال ملكة التركيز، وإذا حاول ذلك فإنه لا يتوفق، بل يجد نفسه شاردا في عدة أفكار، وعدة توهمات، ولا يستطيع أن يجمع فكره وتوجهه إلى مسألة واحدة.

المرض الثالـــث: السلـــــــب

، وهو مريض خطير جدا لأنه يعمل على إبطال عمل العقل كله مع سائر ملكاته وإمكانياته، ثم يحل مكانه في تسيير الإنسان كالنفس مثلا، أو الشيطان.

مراحل هذا المرض

  1. المرحلة الأولى: سلب وظيفة العقل بسبب كتابة سحر، أو غير ذلك من الأسباب، حتى إذا دام هذا الحال مدة طويلة صار الإنسان تقريبا غير عاقل، وغير قادر على استعمال أي ملكة من ملكات العقل,
  2. المرحلة الثانية: حلول مكون آخر  يعوض المكون المفقود ــــ وهو العقل ـــــ العقل هو الذي يُسَيِّر جسد الإنسان، وذلك عن طريق تسييره للقلب، وتسيير القلب للجسد بالجوارح؛ فإذا زالت وظيفة العقل أصبح باطن الإنسان محتاجا لمكون آخر يقوم بهذه السيادة فيتصدر أحد المكونات مكان العقل.
  3. المرحلة الثالثة:  اختلال توازن أفعال المريض حيث يصبح المريض تابعا للمكون الذي عوض العقل، فإذا كانت النفس يصير تابعا لشهواته ورغباته، والنفس فيها طبع طفولي قد يصير مهيمنا على الإنسان إذا أخذت وظيفة العقل، فيصبح المريض يتصرف تصرفات صبيانية وطفولية، وهو لا يدرك ذلك، ولا يستطيع إيقافه، وإذا سيطر القلب يصبح المريض تابعا لمشاعره وأحاسيسه، وإذا سيطر الشيطان يصبح الإنسان تابعا لأوامره، ومجتنبا لنواهيه، وهكذا..

المرض الرابع: فقدان الذاكرة بشكل مؤقت

المرض الرابع من الأمراض العقلية هو مرض فقدان الذاكرة بشكل مؤقت، هنا الحديث عن ملكة الحفظ، أو ملكة الذاكرة التي تخزن معلومات الإنسان؛ فإذا وقع خطب أدى إلى فقدان هذه الذاكرة بشكل مؤقت، إما بسبب سحر يجعل الإنسان يفقد ذاكرته فلا يعرف حتى نفسه بعض المرات، وإما لأسباب أخرى.

مراحل هذا المرض

ويسيطر هذا المرض على الإنسان عن طريق مرحلتين أساسيتين:

  • تسرب الظلام إلى ملكة الذاكرة فتفقد وظيفتها بشكل مؤقت ليصير المريض في حالة حيرة واضطراب عصبي وألم في الرأس، وذلك الظلام يؤذي الذاكرة فعلا، لأنه حتى وإن عادت له ذاكرته في أوقات أخرى فإنها تكون قد بدأت تتأثر بذلك الظلام وتنسى.
  • وصول التأثيرات الظلمانية من ملكة الذاكرة إلى المكونات الأخرى للإنسان من قلب ونفس ووعي داخلي، وإذا استمر هذا الحال طويلا فإن المريض قد يصاب بفقد الذاكرة بشكل مزمن، وهذا أخطر.

المرض الخامس: ضعف الذاكرة وعدم القدرة على الحفظ

بحيث إن المصاب بهذا المرض يصعب عليه حفظ أي شيء، وتذكره يكون أصعب، وهذا ضعف أو مرض في ملكة الحفظ لدى الإنسان هذه الملكة التي أودعها الله عز وجل في عقل الإنسان ليطلب بها العلم، ويتقرب بها إلى الله عز وجل.

مراحل هذا المرض

  1. المرحلة الأولى: سيطرة التأثيرات الظلمانية الخارجية على ملكة الحفظ داخل عقل الإنسان، وتعطيلها لفترات طويلة حيث يصبح المريض في هذه المرحلة غير قادر على تذكر ما فات أو على التمكن من الحفظ لوقت طويل لأن ذلك الظلام لا يلبث فترة قصيرة حتى يخرج كل نور أو علم دخل إلى تلك الملكة.
  2. المرحلة الثانية: انتشار ظلام التأثير الشيطاني من ملكة الحفظ إلى سائر ملكات العقل وخصوصا إلى ملكة الفهم والتركيز والمنطق، وانتشار الظلام كذلك داخل قلب المريض ونفسه، فيصبح القلب بعد ذلك غير قادر على استقبال النور، والنفس تصبح مظلمة وغير قادرة على التثبت وعلى استحضار الذكريات السابقة.
  3. المرحلة الثالثة: بلوغ الظلام إلى الوعي الداخلي وهنا يقتنع المريض بأنه لا يستطيع الحفظ أو التذكر نهائيا ولو حاول ما حاول، لأن الوعي الداخلي إذا خضع لتأثير الظلام المعطل لملكة الحفظ والتخزين فإنه يستقبل مبدأً جديدا من ذلك الظلام، وهو عدم قدرة المريض على التذكر والحفظ، ومن هنا يتوغل الظلام في الوعي الداخلي للإنسان وينعكس مرة أخرى على العقل، و على ملكة الحفظ، ولكن هذه المرة بصورة أقوىفيصبح المريض غير قادر على استقبال أو تخزين أي معلومة أو أي فكرة، وهذه حالة صعبة تحتاج إلى علاج سريع.

 والحمد لله رب العالمين


الشيخ الدكتور عزيز الكبيطي إدريسي الحسني

 (حقوق النشر محفوظة)