الأمراض الروحية: تعريفها ومراحلها
للروح تأثير كبير على كل أبعاد الإنسان ومكوناته لأنها هي الأصل في وجوده، وهي التي تصله بعالم الأرواح، كما أن وجود الإنسان وكيانه بشكل عام يعتمد بالدرجة الأولى على صفاء الروح واتصالها، وإذا تأذت الروح بشكل من الأشكال وأصبحت سقيمة فإن ذلك المرض يصل إلى جميع مكونات الإنسان الأخرى، لهذا نستطيع أن نقول أن أمراض الروح هي السبب الأول لجميع الأمراض الأخرى، كما أن أمراض الروح تنقسم إلى أمراض ظلمانية، ومرض نوراني، وهذا ما سنتحدث عنه بإذن الله تعالى.
المرض الأول: مرض الحسد
هذا مرض أصله من صفة الحسد في نفس الإنسان، فظلام الحسد ينتقل بشكل روحي شيطاني إلى المحسود، ويبقى متصلا بخيط ظلماني مع الحاسد، وغالبا ما يستقر ظلام الحسد فوق اللطيفة الصفراء مباشرة، فبذلك يدخل الظلام إلى الروح ويهيمن عليها كليا فيقيد حريتها ويمنع اتصالها مع عقل الإنسان وقلبه وجسده فيفقده سر الاتصال بوجوده، ويجعله كائنا غير مدرك لسبب وجوده على هذه الأرض، وغافلا عن العالم الآخر، الذي هو عالم الروح، فإذا منع الحسد اتصال الروح مع العقل فإن الإنسان يفقد القدرة على التفكر والتأمل في مظاهر الله عز وجل، وإذا منع الحسد اتصال الروح بالقلب فإن الإنسان يفقد ذلك الإحساس بالقرب والاتصال والمحبة والحميمية مع الله عز وجل، وتصبح مشاعره متوجهة كليا إلى الدنيا والخلق، وغافلة عن الله عز وجل.
المرض الثاني: العين الشريرة
المرض الثاني من الأمراض الروحية وهو مرض العين الشريرة، هذا المرض يعاني منه أغلب الناس فهو ببساطة انتقال شحنات سلبية ظلمانية من عين الشخص إلى روح المريض، وتلك الشحنات الظلمانية تستقر على شكل عقدة حمراء ما بين اللطيفة الصفراء والخضراء، وبالضبط فوق عقدة الحسد.
هذه الشحنات الظلمانية تتسرب إلى الروح فيكون تأثرها السلبي على المريض هو قطع أسباب الرزق، وتعكيس حياة الإنسان، وغالبا ما تسبب أضرار ظلمانية تنتقل من الروح إلى الجسد.
وهذه الشحنات الظلمانية يرسلها الشخص إلى من نظر إليه إذا كانت في نظرته إعجاب بشيء ما يملكه المنظور إليه، أو إذا كانت نظرة حب امتلاك، وخصوصا أن هذه النظرة يكون دافعها شيطاني، فينتقل ظلام الشيطان من شخص إلى شخص، وتبقى تأثيرات العين مستمرة، ومتواصلة في كل مرة يتجدد تأثيرها حتى تصل إلى جميع مكونات الإنسان.
المرض الثالث: السحر
ونرجع إلى السحر الذي يكون محفزا مباشرا لعملية اختراق الشياطين للإنس ولا يمتلك القدرة على هذا المحفز إلا من كان مخترقا بداية فيسلى بلعبة هذا التحكم الزائف الذي هو في أصله تحكم الشياطين حتى ينتهي الشياطين من سلب أملاك روحه وأسرارها، ويكون السحر ثلاثة أنوع:
- سحر تشتيت الشمل.
- سحر تضييق الرزق.
- سحر الأسقام.
1- سحر تشتيت الشمل
يُعْنَى بأن يُرْسِل صاحبه تلك القدرة السحرية شيطانا يقف بين الشخص وعلاقته الأسرية أو العائلية أو الزوجية وذلك قصد تنغيص الحياة عليه، ومنعه من تحقيق المطلوب وهو القرب من الله تعالى ، فيشغله بتلك الترهات حتى يأتي أوان مغادرته للحياة الدنيا وهو لم يحقق شيئا مما كان عليه تحقيقه، ومن أعراض هذا النوع من السحر هي العصبية الكثيرة في الشخص، وانتشار المشاكل، والقواطع الأسرية، وكثرة الطلاق، ومن أعراضه أيضا: قلة النوم، والألم الشديد في الرأس، وإعطاء الشخص المقصود بالسحر وجهين اثنين، فإذا كان مع الناس كان بوجه ظلماني شيطاني يكرهه كل من يراه فيؤثر على محيطه وعلى أسرته ليغلف ذلك الظلام المنبعث منه أبصاره وبصائره فينظر إليه بالبغض والكراهية والانتقاص، فإذا صار لوحده وجد أنه بالوجه الثاني وهو وجهه الحقيقي الذي لايضمر شرا للخلق طيب لأصله يتمنى أن لو يزول ذلك الوجه الثاني منه الذي لا يستطيع التحكم فيه ولا يعلم من أين يأتيه فيجعل تصرفاته مغايرة لما يضمر في باطنه، وهذا نوع خطير جدا لأنه ينتهي بالشخص إلى الانتحار أو الهجرة وأحيانا إلى القتل لأن الإنسان بطبعه خلق اجتماعيا لا يمكنه العيش دون علاقات أسرية وزوجية واجتماعية بشكل عام.
2- سحر تضييق الرزق
إذا سُحِر لأحدهم بهذا السحر فإنه يُرْسَل إليه شيطان مأذون بالامتزاج بطينيته يغلفه فيصير ستارا بينه وبين النعمة يشاركه في الأموال والأولاد، فيصبح الشخص المعني بالأمر لا يرى أملا له في العيش.
أعراض هذا النوع من السحر:
- من أكبر أنواع أعراض هذا السحر هو أن يفقد الشخص أمله في إنجاح أي مشروع من مشاريعه حتى يظن أن أبواب الرزق قد انغلقت أمامه فيذوق مرارة العيش لا ينعم برزق إلا وعُذِّب به.
- ومن علامات ذلك أيضا أنه ولو كثر رزقه يقل فلا يشعر به حتى يجد أنه قد انتهى، وهذا النوع من السحر لا يعكس في الرزق فقط، وإنما يعكس في مصادره كذلك فتجد الشخص لا يستقر في عمله، إذا ما دخل إلى عمل غادره في الثلاثة أيام الأولى دون شعور ولا قصد حتى يجد نفسه قد خرج منه وأغلقت أمامه باب من أبواب الرزق.
- ومن علاماته أيضا أنه يمنع أي علاقة بين الأشخاص فيها انتفاع مادي، ومنها الشريك في شركته مع شريكه فإن ذلك السحر لا ينجح له مشروعا ولا لشريكه كذلك، ومنها أيضا الزواج، فإن هذا السحر يعكسه ويمنعه كذلك.
3- سحر الأسقام
وهذا أخطر نوع لأنه قد يؤدي إلى القتل وإلى العذاب، حيث إن الشخص المعطاة له هذه القدرة إذا كتب سحرا من هذا النوع وأرسله إلى الشخص المقصود أرسل معه شيطانا مأذونا في الامتزاج بذاته ليخربها من الداخل والخارج كيف يريد.
ومن أعراضه هذا النوع من السحر:
له تأثيرات داخلية وخارجية:
- تأثيرات داخلية:
- ضعف أجهزة ذاته، وضعف مناعته، وإبطال قوة صحته، وذلك بتسرب الظلام إلى طينيته، وهذا الشيطان المرسل لا يكون عائقا بينه وبين غيره، أي خارجي كالسحر الأول، ولا يكون متلبسا بظاهر ذاته كالسحر الثاني، وإنما يدخل إلى باطن ذاته ويستقر فيها فإذا استقر الظلام الناري في الطين أكثر من خمسة أيام دون دخول أو خروج لتلك الطاقة النارية، فإن الجسد تتعفن طينيته بذلك الظلام، ويمرض ظاهره فيجد أنه كثير الأسقام، ذاته لا تكاد تبرأ من مرض حتى يتبعه مرض غيره، وذلك ناتج عن تعفن طينيته بسبب استقرار الظلام فيها، وهذا أشد أنواع السحر فتكا ببني البشر فتنتقل الأمراض من أسقام عابرة إلى أمراض مزمنة تؤدي بحياته.
ومن أعراض هذا الصنف من السحر: أن صاحبه لا يجد في ذاته بركة، بل يجد فيها سُقما دائما وعلة يزداد خطرها، وتأثيرها يوما بعد يوم، وكذلك انعدام الراحة ، فتجده يشعر بالتعب في ذاته، ولو نام ما نام أو ذهب أينما ذهب ، فتجد ذاته لا تذوق طعما للراحة حتى ينعكس ذلك على باطن نفسه بالقلق الدائم والتوتر المؤدي إلى الاكتئاب لأن الشيطان هنا يخرب ذاته من الداخل والخارج، فهذه الداخلية.
- أما التأثيرات الخارجية:
كثرة الحوادث المذهبة بصحة الإنسان كحوادث السير وغير ذلك من أخطاء في استعمال الأدوات الحادة، وأحيانا يدخل الشخص المعني في أسوار بيته فيتأذى منها أذى بليغا دون أن يراها، فذلك راجع إلى تغليف الظلام لعينه، ويدفع به ذلك الظلام إلى الشر حيث ما كان، وذلك بغرض إتلاف صحته، والتحكم في مصيره وفي مصير ذلك الذي يعبث بهذه الطاقات الظلمانية.
المرض الرابع: المس الشيطاني أو الامتلاك الجني
غالبا ما يحصل المس أو الامتلاك نتيجة تطور تلك الأمراض الثلاثة من سحر وعين وحسد، وقد يحصل هذا المرض نتيجة خمسة أشياء، وهي:
الخوف الشديد، أو الشهوة الحرام، أو الظلمة الحالكة، أو وطء أماكن الجن في منتصف الليل، أو البقاء على جنابة لأكثر من ثلاثة أيام.
مراحل هذا المرض
- دخول الظلام إلى روح الإنسان بفعل أحد تلك الأسباب التي ذكرناها، وبهذا تقل نورانية الروح وتصبح مصيدة سهلة للجن والشياطين.
- تلبس الجن والشياطين للروح برداء ظلماني يجعلها منفصلة عن سائر المكونات، وخاضعة للشياطين إذا كان امتلاكا شيطانيا أما إذا كان جنيا فإن الجسد وحده يصبح خاضعا للجن ومنفصلا عن سائر المكونات الأخرى.
- تصرف الشياطين في الروح المملوكة، والجن في الجسد المملوك، فامتلاك الشياطين قد لا يظهر للمريض حيث يظن أنه غير مصاب بأي مرض، أما امتلاك الجن فإنه واضح وظاهر لأنه امتلاك في الجسد، والجسد يستطيع الإنسان المنفصل معرفة أحواله، أما الروح فلا يعرف أحوالها وأمراضها إلا المتصل بالله عز وجل.
المرض الخامس: مرض الجذب
مرض الجذب، أو ذوبان الروح في أنوار لا تطاق، وهذا المرض النوراني قد يحصل للسالك في أعلى المدارج، أو قد يحصل للإنسان قبل السلوك أو بعد السلوك، والأصح والأسلم أن يحصل له أثناء السلوك ولكن بصورة سليمة وليست مرضية.
ونفسر هذا المرض ببساطة فنقول أنه فقدان الباب التي تدخل منها الروح، وتخرج من الجسد، فيصبح الإنسان في بداية الجذب غير قادر على إثبات روحه في ذاته فالباب دوما منفتحة وإذا سمع كلمة أهاجت روحه فاشتعل نورها و لامس الجسد فخرجت الروح دون أي إذن من صاحبها، ومع هذه الصعقة النورانية التي تحصل للجسد وخروج الروح منه قد تحصل له أحوال كالصراخ مثلا، أو الإغماء، أو قد يحمل بجسده ويقذف في مكان آخر، وأحيانا عبر الحائط يقذف من غرفة إلى غرفة، وهذا يشكل له اختلالا في التوازن بين علاقة الروح بالجسد، فتصبح الروح متحكمة تحكما كليا في الجسد.
أما الجسد فيكون خاضعا لنورانية الروح، وهذا الاختلال الحاصل بينهما هو فقدان اللطائف الروحية التي تجعل علاقة الروح بالجسد، وعلاقة الجسد بالروح غير متوازنة، فالروح تدخل وتخرج متى ما تشاء، والجسد يكون معرضا في كل وقت لصعقات نورانية لا يتحملها من طرف الروح.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ الدكتور عزيز الكبيطي إدريسي الحسني
(حقوق النشر محفوظة)